الرئيسية

الشيخ محمد علي دبوز

مكتبة الصفاء

جمعية الصفاء

مواعيد علمية

ملاحظات واقتراحات

تعريف مفصل للشيخ
حين رجوعه إلى وادي ميزاب سنة 1367هـ/ 1948م بعد انتهائه من دراساته الجامعية دعاه أستاذه وشيخه للقيام معه بالواجب الوطني والديني،في ميدان التربية والتعليم؛ وندبه إليهاوكان عند حسن ظن شيخه، وشمر لمهنته في تفان وأسندت إليه المواد التي تخصص فيها في الجامعة، فدرّس الأدب العربي مع تاريخه، والبلاغة؛ والصرف والنحو،والتاريخ الإسلامي وماقبله، سيما التاريخ الحديث وعلى الأخص تاريخ الدولة العثمانية، واهتم بتاريخ المغرب الكبير قبل الفتح الإسلامي وبعده،ثم الدولة الرستمية؛لما وقع لها من إجحاف في حقها التاريخيودرّس كذلك الفلسفة؛وعلم النفس؛والمنطق؛ومناهج التعليم، وهو أول من تولى تدريس مادة علم النفس في المعهد، ولا تزال تدرّس إلى يومنا هذا.
أسباب إهتمامه بالتاريخ.
التاريخ هي المادة التي أولى لها كبير اهتمامه عند بداية مهمته التربوية، لأنه صدمه سببان جعلاه يراعيها كل الرعاية:
السبب الأول:
المغالطات التاريخية التي تكتظ بها المصادر القديمة، وما فيها من تعصب بيّن في هذه المؤلفات، التي كان أغلبها يكتب استجابة لنزعة قبلية أو أجنبية أو مذهبية أو ملكية أو دينية، فقد كان وراء العديد منها الملوك والحكام الذين كانوا يحاربون معارضيهم بتشويه تاريخهم، وإلباسهم لبوس الخروج عن الجماعة الإسلامية، وهذا ما ارتكب في حق الإباضية أهل الدعوة والاستقامة[1].
هذا من جهة ومن جهة ثانية: ما قام به الاستعمار الفرنسي من تشويه للتاريخ الجزائري لأغراض دنيئة في نفوسهم، منها سعيهم لجعل الجزائر أرضا فرنسية محضة،إذ لا يتم لهم هذا إلا باستئصال جذور أصالتها الإسلامية، ودك أسس شخصيتها العربية والأمازيغية.
وقام مؤرخوهم بإيعاز منهم بتزوير العديد من الحقائق التاريخية؛ حتى تحدث للجزائريين عقدا نفسية سيئة ضد تاريخ بلادهم المجيد.
ولقد أثبتوا للجزائريين سيما البربر أن الفتح الإسلامي؛ بمنزلة الاستعمار العربي  للجزائر، وأنهم كانوا في ظل الاستعمار منذ القرن الأول الهجري من لدن عقبة بن نافع الفهريإلى القرن الثاني عشر الهجري، وأنها -أي فرنسا- هي التي حررت الجزائر من هذا الاستعمارفي العصر الحديث الذي دام ثلاثة عشر قرنا[2]، هذه إحدى الأمثلة لتشويه الاستعمار للحقائق.
ومن الأمثلة الأخرى:أن المؤرخين الفرنسيين يزعمون أن أصل الجزائريين - عرقيا- ينحدر من بلاد"الغال LAGAULE" بجنوب فرنسا.[3].
واستغلوا كذلك الصراع الذي كان بين سكان بلاد المغرب والدولة الأموية ثم الدولة العباسية ليبثوا فيه أكاذيبهم المغرضة المفرقة وينفثوا سمومهم الصليبية [4].
هذا هو السبب الأول الذي جعل الشيخ محمد علي دبوز يهتم بالتاريخ حتى ينقحه ويجلي عنه كل ما يشوبه.
السبب الثاني:
اصطدم من جهة أخرى بالأسلوب العلمي الجاف؛الذي يقدم المعلومات في قوالب حجرية جامدة لا تستثير عاطفة؛ولا تحرك إحساسا، أو هي تستطرد في متاهات من التفاصيل؛ التي تشوش الذهن، أو تنأى عن الحقائق إلى جزيئات هامشية لا غناء وراءها [5].
إلى جانب هذين السببين؛ ساءه أن لا يجد كتابا دراسيا في تاريخ المغرب، يليق للثانويعلى الروح التي يريدها، وعلى الأسلوب الذي ينبغي، وعلى المنهاج الذي يحقق النتائج التربوية من التاريخ، فكان عقب كل محاضرة يكتب نصوصها وخلاصتها للتلاميذ؛ بأسلوب أدبي رائق يزيد للتاريخ وضوحا، ويكسبه طلاوة؛ تحببه إلى النفوس، وبروح مؤثرة تجعله ذا آثار بالغة في النفس، وكان إقبال التلاميذ على تلك الخلاصات وانتشاؤهم بدراستها؛ورغبتهم فيها، وتأثرهم بها أكثر مما كان ينتظر، وأبلغ مما رجا.
واستمرت تلك الخلاصات إلى آخر الدروس، فتكون منها كتاب هو الذي أقره المعهد في تاريخ المغرب الكبير.
منهجه في التربية والتعليم
إن أول مبدأ يؤمن به محمد علي في أداء رسالته التربوية، هو حب المادة العلمية، والغرام بها، وتعشقها وهذا يؤدي إلى التفاني فيها، ويعتقد أن هذا هو الأساس الأول والأوكد بعد التوكل على اللهفي نجاح الأستاذ في مهمته والطالب في تحصيله.
لذا كان يسعى كل جهده لتحبيب المادة العلمية لدى الطلبة وتقريبها إلى نفوسهم؛حتى تحتضنها جوانحهم؛ويتبع في سبيل تحقيق هذه الغاية عدة وسائل أهمها.
أولا:
إبراز الفوائد العظيمة التي يجنيها الطالب من المادة العلمية ويبين له أسباب تعلّمها ؟وما الهدف منها ؟ وماذا يجني منها ؟ في حياته العلمية والعملية ،ولقد أولى رعايته الكبيرة لهاته النقطة.
ثانيا:
تقديم المعلومات التاريخية في أسلوب أدبي يستحوذ على اهتمام النفس ويتحاشى الأسلوب العلمي الجاف.
لقد كان يراعي أشد الرعاية جو الصفاء والوئام، بين التلاميذ في فصله، ولم يكن يشعرهم أنه المسؤول عنهم؛أكثر مما يبين لهم كونه صديقا؛شفوقا؛رحيما بهميحوطهم بعين رعايته، ويهتم بأمورهمويصفي لهم الود الخالص.
وكانت شخصيته المرحة تضفي على فصله روح الدعابة والفذلكة بين الفينة والأخرىتكون محطات استجمام لنفوس الطلبة من كد الانكباب؛ووصب الجدمما حدا بهم الشوق إلى ساعاته الدراسيةالتي كانت أحلى أوقاتهم وأمتعها في نفوسهم، وهذا الذي جعلهم يتأثرون به أيما تأثر، ولم يكن يراعي الناحية التعليمية في تلاميذه أكثر من اهتمامه بالناحية التربوية، يراها الأساس الأوكد لنجاح الأولى.
لذا بذل كل وسعه لإبراز الخصال الإسلامية؛ والأخلاق الفاضلة في طلبته سيما تلك التي تخص علاقتهمبأساتذتهم والتحصيل.
وأهم الفضائل التي يهتم بها ويدعو إليها هي:
الصفاء: صفاء الطوية من كل الأحقاد وأدران النفس، وسلامة القلب، وكان يدعو طلبته إلى الصفاء والتخلق به، لعلمه أنه من الأسباب الكبرى لنجاح رسالة معهد الحياة؛ سيما في أحلك ظروفه؛ في أطواره الأولى: العشرينيات والثلاثنيات، ويدعو إليه في كل حفل وعرس ومهرجان، يحث على تآخي الجزائريين ونبذ ما يشين بعلاقتهم ووحدتهم ، وقد أشار إلى ذلك في العديد من أبواب كتبه [6].
ويرى وجوب توطيد الروابط الإسلامية بين الإباضية والمالكية في وادي ميزاب خاصة والجزائر عامة، لأنه فرض ديني، وعليهم أن يكونوا كلهم متصافين فيما بينهم متآزرين ولا يتركوا للعصبية العرقية أو المذهبية الشيطانية  تنخر رابطتهم وتفك عراهم وتفرق بينهم.
وياما دعا إلى هذا الصفاء حتى غدا من أبرز ميزات شخصيته، وإن دروسه ومحاضراته المسجلة في الأرشيف أصدق شاهد [7].
وإلى جانب هذه الفضيلة نجده يدعو إلى أخرى لا تقل عنها شأنا إنها:
الحزم: كان يحرّض عليها ويراها من مقومات نجاح الطلبة في حياتهم العلمية والعملية، وبقدر ما كان يدعو إليها؛ كان يقبّح التراخي بكل وسائله البيانية الخاصة، سيما بتشابيهه اللاذعة.
ويعلم أن هذا الخلق هو الأساس والعروة الوثقى لعدة أخلاق علمية؛ يحتاج إليه الطالب، ولاتتوفر فيه إلا بالتحلي به.
وبفضل حزمه يكون معتمدا على نفسه؛ ومنظما؛ ومنضبطا في أموره وأوقاته الدراسية، مثابرا في دروسه؛ منكبا عليها؛ حريصا فيها.
وكان يطلب من طلبته أن يكونوا حازمين حتى في مشيتهم وسيرهم في الطريق، ولقد ورث هذه الفضيلة من والدته عائشة بنت يحي التي كانت مثالا فيها ـ رحمهما الله ـ.
ومن الفضائل التي سعى إلىغرسها :
الإنضباط في الوقت: كان مثالا فيه يشار إليه بالبنان وفيه يضرب المثل،  وكان صارما كل الصرامة فيه مع طلبته، ولقد اضطر كما عهدته في آخر سنة دراسية له، حظيت فيها بالدراسة عنده إلى إيصاد باب قسمه بعمود من حديد جلبه لإجل هاته المهمة، وكان يخبئه تحت مكتبه، ويقوم بهذا عندما يعلم أن وقت الدخول الى القسم قد أزف،وعندها يجد المتأخرين أنفسهم في موقف حرج مع ناظر المعهد وهو ديدنه مع نفسه شديدا عليها، وهذا ما نعلمه من قول الدكتور محمد ناصر:
«كنا طلابا بالقاهرة؛وكنا نزوره في غرفته من حين إلى آخر، (ببنسيون ) قديم في حي (التوفيقية) في قلب القاهرة، ونجده غارقا بين أكوام الكتب؛باحثاومنقبا؛أوبين ركام الأوراق والمسودات مصححا ومصوبا؛ وكان - رحمه الله - صارما في تنظيم وقته،لذا كان يبادرنا فور التحية مباشرة قائلا:لديكم معي يا جماعة عشر دقائق،أو ربع ساعة أو أقل أو أكثر، لم نكن نتأذى من سلوكه ذلك أبدا، بل كان مثار إعجابنا وتقديرنا لجديته في العمل، وتقديره الدقيق لقيمة الوقت، ومحاسبته الشديدة نفسه على كل ثانية من عمره [8]».
استغلال وقت السحر للتحصيل والكتابة:   
كان - رحمه الله - يدعوا طلبتهإلى استغلال وقت السحر للتحصيل والكتابة، ويرى أن هذا الوقت أحسن فرصة للذهن، ينشط فيها حيث يكون هادئا مستريحا مستعدا كل الاستعداد لتخزين المعلومات وللكتابة واختراع الأفكار الجديدة، نترك الدكتور محمد ناصر أحد طلبته يحدثنا عن هذه النقطة:
« لقد تعلمنا منه ذلك الشعار الذي ما زال يدوي في أنحاء النفس (عليكم بالفرس الأدهم) وهو يعني المطالعة والكتابة والعمل الجدي في السحر، حين يكون البال أهدأ والذهن أنشط والسكون يغري على العمل والتفكير حقا، وحين لا يسمع المرء إلا أنفاسه وحفيف أوراقه[9]».
وهناك فضيلة أخرى نراه دائما مهتما بها:
إنها النظافة:نظافة الملبس مع الاعتناء بالراحة الطيبة للجسم، وكم كان يندد بالذين لا يبالون بنظافة ملابسهم سيما الجبة وشعار المعهد (لحفاية) يأمر طلبته بتعهد مظاهرهم حتى يكون مشرّفا بهم وبمعهدهم لا مزريا، وعليهم مكافحة روائح الجسم الكريهة؛ سيما في الصيف حين تنجم من العرقوبالخصوص" صنين الإبط"حتى لا يتأذى الناس بها.
وبقدر ماكان يسعى أن يكون طلته مثالا في النظافة؛ وحسن الهندام، كانوا هم كذلك يتفادون بكل وسعهم ألا يكونوا مرمى لسهام تشابيهه اللاذعة الأليمة، ويتوقونها قدراستطاعتهم.
نهجه في العقاب
لم يكن- رحمه الله - يلجأ إلى العقاب البدني إلا إذا تحتم الأمر واضطر إليه كآخر حل وعلاج وللضروريات أحكام، ونادرا ما يحدث منه هذا.
وكان العقاب الذي يتبعه هو العقاب النفسي الذي تحدثه تشابيهه القارصة اللاذعة، وإنه للعقاب الأنجع لديه، حيث يشعر الطالب بمرارة ما اقترفت يداه من جرم حين يصوره له أستاذه في صورة بيانية حسية قبيحة، فيدرك أبعاد هذا الجرم الوخيمة عليه، ويستيقظ ضميره من غفوته ليجبر فيما قصر، وكم من جرم أعيى أساتذة المعهد ولم يفلح فيه العقاب البدني ويجعل الشيخ محمد علي صاحبه يتخلى عنه عن قناعة وذلك بواسطة تشابيهه، وهم يغبطونه على هذا، وكان الطلبة بقدر ما يتوقونها فإنهم يميلون إليها، لأنها تنشر روح الدعابة والفذلكة في الصف.
ماذا يشترط في مدرس التاريخ
يشترط على مدرس التاريخ على الخصوص أن يتحلى بصفات أساسية، وينهج أسسا يراها واجبة؛ لينجح في أداء واجبه على أحسن ما يرام، وهذا ما بينه في كتابه " تاريخ المغرب الكبير" الجزء الثاني تحت عنوان:" ماذا يشترط في مدرس التاريخ."[10].
وسنحاول تبيين هذه الأسس فيمايلي:
أولا:
لكي يؤتي التاريخ ثماره ونتائجه التربوية العظمى؛ يجب أن تلقن دروسه بتحليل علمي،وروح خطابيةفي أسلوب طلبي.
ثانيا:
يجب أن يتمتع المدرس بشخصية قوية؛حتى يؤثر في النشئ؛ حين تقديم الحقائق التاريخية.
ثالثا:
يجب أن ينبع التاريخ من أعماقه؛ متأججا بوجدانه،ومن عقله ممتلئا بفلفستهلا من لسانه؛فيكون أخبارا باردة يسردها ، وأنباء عتيقة ميتة يحكيها.
رابعا:
إن المربي لا يستطيع أن يكون على ذلك الحماس؛ وعلى تلك الروح المؤثرة القوية في التاريخإلا إذا أتى بدروسه وبمحاضراته في رأسه؛لا في كراسه.
خامسا:
لتحقيق النتائج التربوية بالتاريخ؛يجب أن يتحمس المدرس والمحاضر المربي للفضيلة في تاريخ العظماء؛ ولكل الأشياء الحسنة في الأمة التي يدرسها، كما يجب أن يمتلئ كرها للرذيلة وللخيانة ورقة الدين؛ولكل الأشياء السيئة.
سادسا:
إن التاريخ فن فلسفي،علمي،أدبي، يجب أن لا يسند تدريسه إلا للفصحاء، والذين وهبهم الله اقتدارا في التعبيروكانت الشخصية الخطابية فيهم قوية.
سابعا:
يجب أن لا يسند التاريخ لمن كانت شخصيته علمية محضة، فإنه يقتله ولا تجدي معلوماته الغريزة فيه،وذاكرته المحشوة بالمعلومات.
اهتمامه برسم الخرائط والتحضير
لم تكن الخرائط التاريخية متوفرة في الأربعينات من هذا القرن، لذا كان يرى لزاما عليه أن يرسمها وكان يبذل الوسع الكبير لرسمها في السبورة وتبيين معالمها بالألوان الزاهية، وكم كان يضنيه هذا العمل الشاق ورسم الخرائط ليسأمرا هينا، وكان يبكر إلى المعهد بوقت طويل قبل الموعد الدراسي حتى يتم له ذلك.
كما كان يرسمها في إطارات كبيرة ويعلقها لوقت الحاجة في جدران قسمه، وما زالت باقية تدل على مجهوداته فيها. "[11].
وقد كان يهتم الاهتمام البالغ في تحضير دروسه مسبقا، ويرى هذا أمرا ضروريا أكيدا عليه، ويقوم بتهيئة الخلاصات التي يمليها على طلبته، والتمارين التي يختبر بها معلومات الدرس السابق، ودائما كان يسبقهم في الفصل، يقوم بتهيئته وتعطيره بالبخور، وفتح النوافذ، وما أن يصلوا حتى يجدوه في أتم الاستعداد لهم.
 
[1]الشيخ محمد علي دبوز والمنهج الإسلامي لكتابة التاريخ دكتور محمد الناصر ص17.
[2]التعليم القومي والشخصية الجزائرية . الدكتور تركي رابح .ص192.
[3]المصدر السابق .ص193.
[4]تاريخ المغرب الكبير الجزء الثاني . ص8.
[5]الشيخ محمد علي دبوز والمنهج الإسلامي لكتابة التاريخ دكتور محمد الناصر ص17.
[6]نهضة الجزائر الحديثة الجزء الثالث من ص54إلى 64 وفي ص167 وغيرها
[7]أرشيف مكتبة الشيخ محمد على دبوز( الأشرطة).
[8]الشيخ محمد علي دبوز والمنهج الإسلامي لكتابة التاريخ دكتور محمد الناصر ص21.
[9]الشيخ محمد علي دبوز والمنهج الإسلامي لكتابة التاريخ دكتور محمد الناصر ص21.
[10]تاريخ المغرب الكبير الجزء الثاني . ص23.
[11]أرشيف مكتبة الشيخ محمد على دبوز.

العنوان

info@cheikhdabouz.com