بيئته:
أقدم هاته النبذة الموجزة عن حياة الوالد الشيخ محمد علي دبوز- رحمه الله - وشخصيته التربوية والعلمية والأدبية،بابا ألقي منه بعض الضوءعلى البيئة التي ولد وترعرع ونشأ في أحضانها، والتي حتما كان لها الأثر الكبير في نفسه وفي تكوينه العلمي واتجاهاته.
وأقسم هاته البيئة إلى:
- البيئة السياسية .
- البيئة العلمية .
- البيئة الاجتماعية .
- البيئة الاقتصادية.
البيئة السياسية:
تمتعت وادي ميزاب في تاريخها القديم بالاستقلال، قرابة تسعة قرون من الزمن؛ سيما السياسي والاجتماعي منذ أن تأسست أولى قراها (العطف) في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي 402هـ/1012م إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وتمتعت بهذه الميزة حتى عندماعقدت معها الحكومة الفرنسية المعاهدة يوم 29أفريل1853م. من طرف القائد (كومندان دبيري) باسم والي عموم الجزائر ( الماريشالراندون ).
تعهدت فيها للميزابيين بحفظ بلادهم؛واحترام معتقداتهم؛وصيانة عوائدهم، ولا تتدخل في أمورهم الداخلية[1].
ولكن ما أسرع أن نقضت الحكومة الفرنسية هاته المعاهدة . والنقض ديدنها وجبلية فيها .
وفي 26أكتوبر1882م تلقى الجنرال دولاتور برقية من الوالي العام لويس تيرمان يأمره فيها باحتلال ميزاب وإلحاقها بفرنسا، بحجة تزويد وادي ميزاب الثوار بالمؤن، واتخاذهم لها مخبأ تقيهم غارات الاستعمار.
ثم إعلان إلحاق وادي ميزاب بفرنسا رسميا يوم 30 نوفمبر 1882[2].
هكذا وقعت وادي ميزاب في مخالب الاستعمار الغاشم، وفقدت ما كانت تتمتع به من حرية واستقلال في تسيير دفة أمورها الداخلية، وتعاقب عليها حكام عسكريون فرنسيون؛ كلهم مستبدون ذوو غطرسة وفظاظة، عزموا على سلخ الجزائر من دينها وتاريخها وأصالتها وكشفوا عن حقيقتهم الصليبية، وكان أخبتهم على الميزابيين وأشدهم تنكيلا بهم؛ وبعلمائهم؛ قائدان هما فيقوروس ونائبه وتلميذه قوتي.
وقد بدأ فيقوروس الحكم على وادي ميزاب في أوائل العشرينيات من القرن العشرين؛ إبان الحركة الإصلاحية التي تزعمها العلامة الشيخ بيوض - رحمه الله - وكان فظا غليظا على الميزابيين عموما؛ وعلى الحركة الإصلاحية خصوصا.
وقد بلغ به معاداته للشيخ بيوض أن أقسم لأذنابه؛ أن لا يعتزل وظيفته في ميزاب؛ حتى ينفي الشيخ بيوض؛ أو يسجنه؛ أو يحكم عليه بالإعدام[3].
ولما نقل إلى ورجلان خلفه نائبه قوتي وكان في الظلم؛ والغطرسة؛ وشدة معاداته للإصلاح والعلماء، كسابقه وأستاذه، ودام حاكما لميزاب إلى أن زال الحكم العسكري في الخمسينات من القرن العشرين[4].
ومن أكثر ماعانت به وادي ميزاب من جراء الاستعمار هو التجنيد الإجباري الذي قرر يوم 30 فيفري 1912، وقد وقع على الميزابيين وقعا أليما مريرا، لأنه يجعلهم وجها لوجه أمام إخوانهم الجزائريين المسلمين، وهو مالا يسمح به لهم دينهم الذي يحرم دماء المسلمين، وما تأباهوطنيتهم وأصالتهم . وقاطعوا هذا التجنيد وتصدوا له بكل ما أوتوامن طاقة وقوة ووسيلة ، ولم يذعنوا للقرار رغم بداية تطبيقه قسرا في سنة 1918م، وداموا على محاربته؛ حتى أصدر مرسوم بإلغاء التجنيد الإجباري للجزائريين يوم 6 فيفري 1946م[5]، حينها تنفس الميزابيون الصعداء.
البيئة العلمية:
لما احتل الفرنسيون وادي ميزاب كانت النهضة العلمية الإسلامية الحديثة قد نشأت فيها، رفع لواءها عاليا وتزعمها الإمام العلامة قطب الأئمة الشيخ الحاج أمحمد طفيش- رحمه الله - وكانت أسبق نشأة من النهضة العلمية في الشمال[6].
وكان التعليم العربي الإسلامي بقسميه الابتدائي للصغار؛ والثانوي للكبار حرا منذ تأسيس وادي ميزاب في القرن الحادي عشر الميلادي إلى ما بعد احتلاله .
كان التعليم الابتدائي يزاول في المحاضر الملحقة بالمسجد؛ يتولى فيها التعليم ثلاثة أعضاء من حلقة العزابة؛ تطوعا لوجه الله من غير أجرة وليس لمن يقصد المحاضر للتعليم حد في السن .يكون فيها ابن أربع سنين وابن السبعين، ووقت التعليم فيها بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وبين السحر وطلوع الشمس في الشتاء، ويتعلم فيها الكتابة؛ والرسم؛ وحفظ القرآن، ومبادئ الفرائض الدينية، وخاصة العقيدة والوضوء والصلاة [7].
أما التعليم الثانوي فقد كان العلماء في وادي ميزاب منذ القرون الأولى، يتخذون من دورهم مدارس،يؤمّها الراغبون في التفقّه وتلقي العلوم العربية، ولا حد لهم فيها للسن كذلك فمن بلوغ الحلم إلى السبعين والثمانين ...
وكان يشترط للالتحاق بهذا التعليم استظهار القرآن الكريم، ولا حد لسنوات الدراسة فيه. وكان من الطلبة من يمكث سنتين أو ثلاث سنوات، أو أربعينا فيكتفي بما أخذه، ثم يترك المدرسة للاشتغال بالكسب، ومنهم من يطول مكثه حتى يأخذ حظا وافرا من العلوم العالية في أصول الفقه والتفسير والحديث والمنطق والبلاغة وغير ذلك ...
وهؤلاء هم الذين يعدّون أنفسهم للتصدي للتعليم في بلدانهم ليخلفوا مشائخهم[8].
في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي؛ قبل احتلال ميزاب بسنين، تنبه الناس لقصر مهمة التعليم في المحاضر التابعة للمسجد، ولم تكن كافية لتكوين أبنائهم؛ من حيث المنهجية، أوعدد المعلمين وتكوينهم المنهجي سيما وقت الدراسة القصير، فشرعوا في فتح دورا خاصة للتعليم العربي القرآني توازي المحاضر في مهمتها .
وجلبوا لها معلمين أكفاء، ومن يومئذ استحدثت الأجرة للمعلمين لأنهم يتفرغون لمهمتهم ويعلمون في أوقات الكسب، وهاته الأجرة غالبا ما تكون مؤونة وقد تكون نقدا [9].
وعند احتلال وادي ميزاب دام التعليم فيها حرا، متمثلا في المحاضر أو الدور المخصصة له أو في دور العلماء، وبقي على هذا الحال عشرة سنوات من سنة 1882م إلى يوم 18أكتوبر1892م. حين صدر القانون الفرنسي الآمر بإنشاء مدارس فرنسية رسمية في كل قرى وادي ميزاب، ثم أنه ينص في فصله "55" أن يمنع الصبيان الذين لهم عمر مدرسي من ست سنين كاملة؛ إلى ثلاث عشرة سنة كاملة أن يقبل في المحضرة أو المدرسة الحرة؛ أوقات المدارس الفرنسية، ولكن الميزابيين قاطعوا هاته المدارس الفرنسية ورأوا أن الدراسة فيها كفر وإلحاد؛ وأن الذين يعملون فيها أنجاس أنكاد.
ولم تجد السلطة الحاكمة إلا أن تأخذ إليها الصبيان أخذا جبرا، وتجرهم جرا وهم يبكون مما حدا بالأولياء إلى أن يهربوا أولادهم إلى مدن التل كلما اقترب موعد فتح المدارس الرسمية[10].
وكلما اقترب موعد فتح المدارس الرسيمة؛ وقع تغريم وسجن وتعذيب لمعارضيها.
ويشتد بنوع خاص على المعلمين الذين يعلمون في الصباح؛ أوقات المدرسة الفرنسية ودام الصراع على هذا إلى ما بعدالحرب العالمية الأولى[11].
وفي القرى البعيدة عن مقر الحكم العسكري بوادي ميزاب المستقر بغرداية واصلت المدارس الحرة في أداء مهمتها سرا في الصباح، ومسؤولوها كلهم عيون تراقب حركات المسؤولين الفرنسيين وإدارتهم؛ وبمجرد علم مسئولي المدارس الميزابية بتوجهها إلى ناحيتهم يأمرون التلاميذ بالانصراف وعدم القدوم إلى حين رجوع هؤلاء المسؤولين الفرنسيين .
وكانت المدارس الحرة تعاني نقص الوسائل العصرية وأجهزتها، والثانوي يفتقر إلى نظام الطبقات (السنوات)، حيث كان التلاميذ الجدد والقدم مختلطين في حلقة درس واحدةلايميز بينهم، فالقدامى يستمعون لدروس النحو الابتدائي من الأجرومية الخاص للجدد وكذلك هؤلاء يستمعون لدروس النحو الخاص بالقدامى .
ودام التعليم على هذا المنوال؛ إلى نشوب الحرب العالمية الثانية سنة 1939م في أثنائهاتمّ إصلاحه بقسميه الإبتدائي والثانوي .
إذ شرع دعاة الإصلاح التربوي والاجتماعي بإدخال الوسائل العصرية للابتدائي، وبدئ بنظام الطبقات (السنوات) في الثانوي؛ وزيد في عدد المعلمين[12].
وكان بدء نظام الطبقات في سنة 1915م، حيث صنف الشيخ الحاج عمر بن يحي المليكي
- رحمه الله - طلبته إلى طبقات وأصناف، حسب ما هو جارفي معاهد العالم الكبيرة كالزيتونة، فأوجد في النحو مثلا طبقة الأجرومية؛ وطبقة الشيخ خالد؛ وطبقة القطر؛ وطبقة المكودي، أي ابن عقيل؛ وطبقة الأثموني ...[13]وهكذا.
وأقبل الناس على العلم؛ وكثر عدد التلاميذ والطلبة في أغلب قرى وادي ميزاب.
وكثرت مسؤولياتهم وتفرعت قضايا التربية والتعليم، ففكر المصلحون في إنشاء جمعيات خيرية تتولى أمر التربية والتعليم وتقوم بشؤونه المتعددة،وبدؤوا في إنشائها؛ولكنها لم تكن علنية بل سرية، وتشدد في سريتها، لأن القانون الفرنسي الصادر في جويلية 1901م يمنع تأسيس أي جمعية؛ مهما تكن إلا برخصة فرنسية وتفادت الجمعيات المؤسسة طلبها؛ خوفا من تدخل السلطة الحاكمة في شؤونها،بما لها من حق في المراقبة والتفتيش، لأن أهداف هاته الجمعيات السرية لا تقتصر على التربية والتعليم فقط؛ بل تهتم بالعديد من أمورالإصلاح في البلدة، وتجمع في يدها زمام الأمور كما كانت عليه جمعية الحياة في القرارة قبل ترسيمها سنة 1937م، وهي الجمعية التي كان يرأسها الشيخ الحاج بكير العنق والشيخ الحاج عمر بن يحي المليكي، ولقد استطاعت جمعية الإصلاح أن ترسم نفسها منذ تأسيسها لوجودها في مقر الحكم العسكري في ميزاب[14].
أما جمعية الفتح فقبل أن تسمى بهذا الاسم سنة1946م، كانت جمعية خيرية نشأت في 02 صفر 1346هـ/01 أوت 1927م ودامت في جهادها التربوي الإصلاحي إلى أن تحتم عليها استخراج الرخصة سنة 1365هـ/ 1946م. وتسمت بـ" الفتح"[15].
الحركة التعليمية في بريان:
في العشرية الأولى والثانية من هذا القرن لم يكن التعليم في بريان إلى الدرجة الموجودة في القرارة وغرداية من حيث الاهتمام به وتأطيره لأسباب:
أولها: إن محاضر المسجد لم تكن كافية من كل جوانبها؛ لأداء رسالة التربية والتعليم في البلدة على النمط المرجو منها.
ثانيها: يحتاج الذين يفتحون دورهم لهذه الرسالة؛ إلى هيئة تهتم بأمورها؛ وتدير شؤونها؛ وتحميهم من عوادي المعارضين للتعليم خارج المحاضر واعتداءاتهم الصارخة.
وهذا ما حتم على الشيخ محمد بن الحاج ابراهيم الطرابلسي أن يزم حقائبه ويرحل إلى القرارة ليؤدي رسالته التربوية فيها سنة 1912م ولم يمض له بهاته المهمة في بريان إلا شهورا معدودة من سنة 1911م لأنه لم يجد الهيئة التي تحميه وتقوم بإدارة شؤون التعليم وشؤون الطلبة[16].
وهذا ما حدث كذلك مع الشيخ عمربن صالح آت داود حين استقدمه إلى بريان الشيخ الحاج إبراهيم فخار سنة 1926م، ولم يمكث طويلا في التدريس حتى رجع على أعقابه إلى غرداية، من أجل المشكل الذي رحل من أجله الشيخ الطرابلسي إلى القرارة[17].
وأمام هاته العوامل تبين لأعيان بريان قبل أن يفتحوا مدرسة؛ويجلبوا لها معلما كفئا أخلاقيا وعلمياعليهم ان يرسوا قواعد الجمعية الخيرية التي تتكفل بالمهمة التربوية،ووجودها الحل الأوكد لمعالجة أزمة التعليم في بلدهم.
وشمروا لتأسيس هذه الجمعية، وكانت كما يريدونها سرية، وتحققت بغيتهم يوم 01أوت 1927م بإرشاد من الشيخ أبي اليقظان ومساعدة الشيخ بيوض، وفتحوا أول مدرسة عصرية في بريان في محرم1347هـ/جوان1928م وحضر الشيخ بيوض يوم افتتاحها وتولى تدشينها، وكان يوما مشهودا في تاريخ البلدة..وكان معلمها الشيخ صالح بن يوسف أبسيس ذا كفاءة عالية في التكوين وابتدأت هذه المدرسة بستة عشرة تلميذا كان محمد علي دبوز أحدهم[18].
وقد بذلت الجمعية الخيرية قصارى جهودها لتطوير هذه المدرسة فبنت لها مقرا جديدا خاصا بها؛يتكون من عدة أقسامجهزتها بالأجهزة العصرية؛ مثل المقاعد والسبورات، وأضافت لها معلمين أكفاء يؤازرون الشيخ صالح أبسيس في مهمته منهم الشيخ صالح بن يحي الطالب باحمدوالشيخ عبد الرحمان بن عمر بكلي وغيرهما، رحمهم الله جميعا[19].
ومما تأذت به بعض الجوانب العلمية في الجزائر في ظل الاستعمار؛ هو ما قام به هذا الأخير من تشويه وتحقير وتزييف للشخصية الإسلامية الجزائرية الأصلية؛ حتى تنفر منها نفوس أبناء الجزائر،ويصدقون أكذوبتها الفادحة أنهم فرنسيون أرومة وأصلا. وقامت بتشويه بليغ بدءا من التاريخ الجزائري الإسلامي إلى تاريخ الدول الإسلامية في شمال إفريقيا[20].
ولقد تركت بصماتها السوداء واضحة في تاريخ الجزائر وآمن بآرائها الزائفة كثير من أبناء الجزائر الذين درسوا في المدارس الفرنسية الرسمية.
البيئة الاجتماعية:
امتازت البيئة الاجتماعية في وادي ميزاب في العشرينات والثلاثينات بالصراع المرير بين فئتين.
الفئة الأولى: وهي التي حملت مشعل الإصلاح؛ في كافة مجالات الحياة؛ سواء الدينية أو العلمية أو التربوية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وهي التي قامت بإنشاء الجمعيات الخيرية لتجسيد ما تصبوا إليه من إصلاح في ساحة الواقع، وسعت جهدها لتصحيح العقيدة الإسلامية؛ ووضعها في مسارها النبوي الصحيح وتشذيبها من كل ما يضر بها من تقاليد وعادات وخزعبلات؛ لا أساس لها من الصحة، ومحاربة الآفات الاجتماعية التي استشرى شرها في وادي ميزاب تحت مظلة الاستعمار مثل البغاء العلني والسري، والربا وغيرها...[21]. وتزعم هذه الفئة الشيخ بيوض -رحمه الله.
الفئة الثانية: كانت تناوئ ماتقوم به الأولى من إصلاح على أساس أنه يمس كرامة المسجدويحط مما كان يذهب إليه مشائخهم القدماء وأجدادهم وتصدوا بضراوة للمدارس العصرية ورأوا أنها تضر المحاضر وعلومها، وأشاعوا في الناس أن إنشاء هذه المدارس العصرية بدعة لاأساس لها من الدين؛ ولم يكتفوا بهذا بل نعتوها بنعوت قبيحة، ليزدروا بها ويحجموا الناس عنها. وثلبوا الشيخ بيوض ووصفوه أنه مبتدع يهدم الدين، ويخالف سيرة السلف الصالح ولقد نزع إلى هذه الفئة بعض القواد[22] وغيرهم من مناوئي الإصلاح.
ولكن الحركة الإصلاحية كانت تؤدي رسالتها في ثبات وإخلاص وصدق، ولاتبالي للعقبات الكؤود، التي توضع في طريقها، فلم تزدها إلا مضاء، وانقسم الناس بين مؤيد لهذه أو لتلك؛ في مد وجزر استفحل أمره في العشرينات والثلاثينات[23].
مما كان يميز الحالة الاجتماعية أن العلماء المصلحين وطلبتهم يلاقون الصعاب الجسام والأضرار البالغة الأذى.
لقد كانت الحكومة الفرنسية ترى " الطلبة "مصدر تشويش وتعكير للأمن وأنهم أعداء فرنسا بالدرجة الأولى، ويكفي للقائد أن ينكل بأحدهم أشد النكال، بنعته للحكومة الفرنسية أنه"الطالب"[24].
والشيخ بيوض - رحمه الله - يبين لنا ما عاناه العلماء والطلبة من طرف الحكومة الفرنسية في تقريره:
((تعاقبت الحركات الثلاث التعليمية والاجتماعية والسياسية، وكان قادتها وموجهوها هم العلماء والعزابة وكبار الطلبة؛ وأصبح الطلبة في نظر المحتلين هم أعداء فرنسا - 1- وهم المشوشون المعكرون لصفو الأمن، يجب التنكيل بهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وكانت كلمة " طالب" مرادفة عندهم لكلمة "خلاط -AGITATEUR" فيكفي أن يقول القائد أو الآغا أو الباشغة لسيده الحاكم العسكري في شخص ما ( نعم سيدى هذا خلاط) لجره إلى السجن والتنكيل به، لذلك سلطت الأضواء على دور التعليم، واعتبرت مراكز تشويش وأعداء لفرنسا.
ولا تسأل بعد ذلك عما وقع من تغريم وسجن وتعذيب وأشغال شاقة، الشهور العديدة في "تعضميت" مركز تعذيب في الجنوب، الذي يشبه " تازولت" و" البرواقية" في الشمال، سيق إلى هذا المركز كثير من كبار الطلبة والأعيــان، وسيق إليه مرة أعضاء هيئة عزابة القـرارة جميعا... ))[25].
البيئة الاقتصادية:
كان المعتمد الاقتصادي الأول للميزابيين هو الفلاحة، ولكون وادي ميزاب همزة وصل في طريق القوافل التجارية بين الشمال والجنوب، وسوقا استراتيجية لها، فقد بدأوا يزاولون حرفة التجارة في سوق البلدة بوادي ميزاب، أو في مدن الشمال أو خارج الجزائر، مثل تونس العاصمة؛ وجربة وسوسة ...حتى غدت هي المورد الأساسي للربح والغنىإلى جانب الزراعة التي بقيت موردا مستقرا للكفاف.
لقد كان والد محمد على دبوز السيد الفاضل الحاج علي بن عيسى دبوز تاجرا موسرا فيقسنطينة، فاستطاع من خلال تجارته أن يهيئ لابنه محمد ما تطمئن به نفسه للدراسة والتحصيلوبفضل تجارته استطاع أن يطبع محمد علي دبوز كتابه الكبير الحجم "تاريخ المغرب الكبير"في مصر الذي كلف طبعه كثيرا.
ويوجد في وادي ميزاب إلى جانب التجارة والزراعة؛ الصناعات التقليدية المتمثلة في الألبسة الصوفية سيما الحايك والبرنوسوالقشابية والمفروشاتمثل: الزربية التي امتازت بها، كما امتازت بريان بجودة الألبسة الصوفية. كانت المرأة الميزابية حجر الرحى في هذه الصناعات وعليها المعول والاتكال في ذلك، وكانت تجدها مصدر رزق لا بأس به، تساعد به زوجها في القيام بشؤون أسرتها.
وتروج هذه الصناعات في سوق البلدة، وتباع تحت إشراف العزابة بالدلالة أو تصدر إلى خارج ميزاب أو خارج الجزائر إلى تونس وغيرها.
[1]مذكرات و وثائق عن وادي ميزاب ص 6.
[2]تاريخ وادي ميزاب ص 114.
[3]أعلام الإصلاح في الجزائر . الجزء الرابع ص43.
[4]المصدر السابق .ص44.
[5]تاريخ بني ميزاب من ص 161 إلى 165
[6]نهضة الجزائر الحديثة الجزء الثاني.
[7]رسالة الشيخ بيوض حول التعليم الحر بوادي ميزاب.
[8]رسالة الشيخ بيوض حول التعليم الحر بوادي ميزاب.
[9]رسالة الشيخ بيوض.
[10]نهضة الجزائر الحديثة الجزء الثاني
[11]رسالة الشيخ بيوض.
[12]رسالة الشيخ بيوض.
[13]رسالة الشيخ بيوض
[14]نهضة الجزائر الحديثة.
[15]نهضة الجزائر الحديثة.
[16]تاريخ الشيخ الطرابلسي . مخطوط.
[17]نهضة الجزائر الحديثة الجزء الثاني.
[18]تاريخ الحركة الإصلاحية في بريان . سليمان بن الناصر حسني . مخطوط.
[19]نهضة الجزائر الحديثة الجزء الثاني.
[20]تاريخ المغرب العربي د. صالح العقاد . الجزء الأول
[21]نهضة الجزائر الحديثة الجزء الثاني . ص135
[22]القواد مفرده القايد : وهو ممثل للحكومة الفرنسية في قرى وادي ميزاب . مع العلم أن قواد بريان كلهم مصلحون بشهادة الشيخ بيوض.
[23]أعلام الإصلاح في الجزائر . الجزء الرابع ص25
[24]تقرير الشيخ بيوض حول التعليم الحر.
[25]تقرير الشيخ بيوض حول التعليم الحر.